بعد ليلة عصيبة لم يعرف النوم طريقه إلى عيون أغلب سكان قطاع غزة نتيجة غارات جوية إسرائيلية مكثفة؛ استيقظ نادر أبو شرخ على صوت بائع متجول يتغنى بهتاف “ميشان الله يا غزة يلا”، بدلاً من الترويج لما تحمله عربته الصغيرة من خضار.
ويعيش نحو مليوني فلسطيني في غزة منذ مساء أمس الاثنين على وقع أصوات انفجارات عنيفة؛ أسفرت عن عشرات الشهداء والجرحى، وأعادت إلى أذهانهم ذكريات 3 حروب عايشوها على مدار 15 عامًا الماضية.
ويقول أبو شرخ للجزيرة نت “لا أحد يرغب في حرب جديدة، فحياتنا في غزة قاسية بعد سنوات من الحروب والحصار، ولكن إذا كانت من أجل القدس فكلنا مع المقاومة”.
ويضيف “رغم قساوة الحياة في غزة فإن السعادة تبدو واضحة على الناس مع استجابة المقاومة لنداءات المقدسيين بنصرة المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح”.

أجواء حرب
أغلب سكان غزة، كحال البائع المتجول، يكابدون من أجل توفير لقمة العيش لأسرهم، أو يعتمدون في معيشتهم على مساعدات إغاثية تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومؤسسات إنسانية أخرى.
ويعمل أبو شرخ معلما لمادة التاريخ في مدرسة حكومية في مدينة رفح (جنوبي قطاع غزة)، ويقول إن سنوات الخنق والحصار الطويلة دفعت أغلب السكان إلى دائرة الفقر، وتشير الإحصاءات إلى أن 80% يعتمدون على المساعدات الإغاثية.
وكان أبو شرخ يخطط لشراء ملابس عيد الفطر لأبنائه بقليل من المال الذي ادخره من راتبه الشهري الذي تلقاه قبل نحو أسبوع، لكنه فضّل صرفه لتوفير احتياجات أساسية ومعلبات غذائية تحسبا من مواجهة قد تمتد لوقت طويل.
ويقول إن المواجهة الحالية أفقدت كثيرين مصادر أرزاقهم، وألزمتهم منازلهم، ولا بد من الالتفات إليهم، وتوفير احتياجات أسرهم وتعزيز صمودهم، و”إذا كان الموت واقعا لا محالة، فلا بد أن نكون واقفين في الميدان وليس جوعى”.
وفضّل تجار بضائع مرتبطة بالعيد إغلاق محلاتهم التجارية، خاصة في حي الرمال الأكثر حيوية ونشاطًا في مدينة غزة، إثر تعرض شقة سكنية في الحي لغارة جوية إسرائيلية أوقعت شهداء وجرحى.
وخلت شوارع مدن القطاع من المارة، وتراجعت بشكل حاد حركة السيارات، وفضّل كثيرون البقاء في منازلهم، في ظل تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي.

المنظومة الصحية
ويلقي العدوان الإسرائيلي ضغوطا إضافية على المنظومة الصحية، في ظل ارتفاع كبير في أعداد المصابين بفيروس كورونا، ومعاناتها من قلة الإمكانات ونقص الأدوية والمستهلكات الطبية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة الطبيب أشرف القدرة إن “الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة تضيف ثقلا على كاهل المنظومة الصحية التي تعاني من تداعيات الحصار، وبالتوازي مع جهود مجابهة كورونا، واليوم مطلوب التعامل مع أعداد كبيرة وصعبة من الإصابات التي تحتاج إلى تدخلات علاجية وجراحية”.
ويحذر من أن إغلاق الاحتلال معبر بيت حانون (إيرز) ستكون له تداعيات خطيرة على صحة المرضى، الذين لديهم تحويلات علاجية لمستشفيات في الضفة الغربية والقدس وفي الداخل المحتل، وقد يفقدون حياتهم.
كما أن الاستهداف الإسرائيلي لمنظومة الكهرباء يهدد العمل في المستشفيات التي تفتقر لكميات كافية من الوقود، وتؤثر أيضا على إمدادات المياه للمواطنين، وعلى عمل محطات الصرف الصحي، ويضر الصحة العامة، وفقًا للقدرة.
وتعاني مخازن وزارة الصحة في غزة من نقص في الأدوية بنسبة 45%، و34% من المستهلكات الطبية، ونقص كبير في كثير من المعدات والتجهيزات الأخرى.
بوصلة القدس
ورغم مرارة الواقع فإن المواجهة الحالية أعادت ترتيب أولويات الغزيين، وتحولت صفحات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى منابر تفخر بالمقاومة وتدعو إلى الصبر والثبات.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة حسام الدجني “إن الفلسطينيين يتوحدون في الميدان عندما تكون البوصلة القدس، التي تمس عقيدتهم ووجدانهم”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هذا الموقف الشعبي الواسع المساند للمقاومة والفخور بنصرتها للقدس هو “السلاح الأقوى” في يد فصائل المقاومة، والشعب هو “الحاضنة” التي عملت إسرائيل طوال السنوات الماضية على ضربها. وتختلط أصوات الأغاني الثورية المنبعثة من مكبرات الصوت بأصوات الانفجارات والطائرات.
ويفسّر رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات أستاذ الصحة النفسية درداح الشاعر حالة التوحد الشعبية مع المقاومة رغم مخاطر احتمالات اندلاع حرب واسعة؛ بأنها نابعة من “طاقة لاإرادية تتولد نتيجة أهمية القضية المثارة”.
ويقول الشاعر للجزيرة نت “القضية هنا هي القدس، والإنسان بلا عقيدة دينية بمثابة منتحر نفسيا، والشعب الفلسطيني في مثل هذه المواقف يستنفر كل ما لديه من طاقة لدرء الخطر عن معتقداته ومقدساته”.
وفي مثل هذا الوقت تتقدم القدس على باقي القضايا الأخرى، ويسعى كل فرد في المجتمع للتعبير عن وجوده وانتمائه بوسائل وأساليب مختلفة، حسب الشاعر.